حسم تاريخي: السودان يعترف بسيادة مصر على حلايب قبل مفاوضات البحر الأحمر

حسم تاريخي: السودان يعترف بسيادة مصر على حلايب قبل مفاوضات البحر الأحمر
على مدى عقود، ظل مثلث حلايب – شلاتين – أبو رماد عنوانًا لنزاع حدودي صامت بين مصر والسودان، يظهر على السطح بين الحين والآخر في تصريحات سياسية أو خرائط رسمية، قبل أن يُعاد طيّه تحت وطأة المصالح الإقليمية. واليوم، تكشف مصادر مطلعة عن تحوّل تاريخي في الموقف السوداني؛ إذ وجّه مجلس السيادة في الخرطوم المفوضية الوطنية للحدود باعتماد خريطة تُدرج المثلث ضمن الحدود المصرية رسميًا، في خطوة سبقت بأيام بدء مفاوضات حساسة مع المملكة العربية السعودية لترسيم الحدود البحرية.
البداية: نزاع يتجدد مع الأجيال
تعود جذور الخلاف إلى بدايات القرن العشرين، حينما تداخلت خرائط الإدارة البريطانية لمصر والسودان. إلا أن النزاع بقي محدود الأثر حتى منتصف التسعينيات، عندما وقعت محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995، والتي اتهمت القاهرة عناصر سودانية بالضلوع فيها. عندها، فرضت مصر سيطرة عسكرية وإدارية كاملة على المثلث، ومنذ ذلك الحين رفضت أي مقترحات للتحكيم الدولي.
من الميدان إلى غرف التفاوض المغلقة
رغم السيطرة الميدانية المصرية، ظل الملف حاضرًا في الأجندة السودانية حتى أواخر عام 2024، حين بدأ حوار غير معلن بين القاهرة والخرطوم بوساطة إقليمية. وبحسب مصادر دبلوماسية، فقد تركزت النقاشات على مبدأ "تصفير النزاعات" قبل الدخول في مفاوضات أوسع تتعلق بالبحر الأحمر.
وخلال الأشهر الماضية، عقدت عدة لقاءات مغلقة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والفريق أول عبد الفتاح البرهان، جرى خلالها الاتفاق على أن اعتراف السودان بسيادة مصر على المثلث سيكون مقابل تفاهمات أوسع في ملفات التعاون الاقتصادي، وتنسيق المواقف في مواجهة التحديات الإقليمية.
لماذا الآن؟
تزامن هذا التحرك مع اقتراب بدء محادثات ترسيم الحدود البحرية بين السودان والسعودية، وهي مفاوضات قد تحدد مستقبل توزيع الجرف القاري، ومسارات الملاحة، واستغلال الثروات البحرية. وبالنسبة للسودان، فإن الدخول في هذه المفاوضات دون حسم ملفه مع مصر يفتح الباب أمام تعقيدات قانونية وجغرافية. أما بالنسبة للقاهرة، فالاعتراف السوداني المكتوب يمثل صك سيادة نهائيًا يقطع الطريق على أي نزاع دولي مستقبلي.
انعكاسات إقليمية
من المتوقع أن تعزز هذه الخطوة الدور المصري في ترتيبات أمن البحر الأحمر، خاصة في ظل التحولات الجارية، التي تشمل إعادة التموضع العسكري لعدد من القوى الدولية، وتنامي التنافس على الممرات الملاحية العالمية. كما أنها ترسل إشارة واضحة بأن البلدين اختارا التعاون الإستراتيجي على حساب الخلافات التاريخية.
خاتمة: نهاية نزاع وبداية معادلة جديدة
بهذا القرار، يُطوى واحد من أقدم ملفات النزاع الحدودي في شمال شرق أفريقيا، ليس استجابة لضغوط ظرفية فحسب، بل كتعبير عن إدراك مشترك بأن أمن البحر الأحمر ومصالحه الاقتصادية تتطلب خريطة واضحة وتحالفات ثابتة. وبذلك، يفتح البلدان صفحة جديدة عنوانها: "شراكة المصالح وحماية الحدود"، في وقت باتت فيه الجغرافيا والسياسة وجهين لعملة واحدة في معادلة الأمن الإقليمي.
الكاتب والمفكر الاستراتيجي
المستشار أحمد إكرام
تعليقات
إرسال تعليق